ألاعيب الأمم- الشرق الأوسط بين مطرقة السياسة وسندان المصالح
المؤلف: علي بن محمد الرباعي10.27.2025

ثمة أساليب لعب بريئة، تستوعبها الروح، وتلتمس لصاحبها المعاذير، حتى وإن كانت تمس مشاعر الآخرين. وبالمقابل، هناك لعب سطحي يمكن تجاهله ببساطة أو مواجهته بلطف، لا يتطلب أكثر من تنبيه الشخص الذي بدر منه ذلك السلوك الطفولي. لكن اللعب الذي يتسم بالخبث والمكر يثير الضيق، ويتعارض مع مبادئ اللعبة النظيفة، وقد يصل ضرره إلى المتفرجين.
ومن المحزن أن تحظى بعض الشعوب برمزية واحترام لا يجوز المساس بهما، بينما تظل رمزية وقداسة الآخرين مجرد حبر على ورق. فاللاعب الأممي المحترف اعتاد على تجاوز قواعد اللعبة، واضعاً حواجز بين تساؤلات الواقع وإجابات الخيال، وأدبيات اللعب الرشيدة.
قد يكون الشرق الأوسط "تعيساً" بسبب موقعه الجغرافي الفريد، الذي لم يختره بنفسه، بل هو منحة إلهية. وربما اكتسب "سمعة سيئة" نتيجة لتاريخ أجداده المليء بالصراعات، لكن لكل بداية نهاية، وكما يقول المثل العربي: "لا تموت عين ولها دين". أو ربما يعاني من "سوء التقدير والتدبير"، وكما يقول أهل الشام: "اللي بلاه من ايده الله يزيده".
إذا كان اللاعب الأممي يعتقد أن التوسع الجيوسياسي والسيطرة على أراضي الغير مكاسب مشروعة تحقق السعادة والتعايش، فهو واهم ويتناقض مع دعواته المتكررة لتسوية النزاعات وتحقيق السلام في المنطقة، فالسعادة والتعايش لا يتحققان على حساب معاناة الآخرين. ومقولة "النصر حليف القوة" مغلوطة، فالقوة لا تدوم، ومن ظلم بقوته شخصاً أضعف منه، ستغلبه قوة أعظم وأشد بأساً. فما من ظالم إلا وسيبتلى بمن هو أظلم منه.
ربما رأى من حارب الإسلام السياسي لعقود طويلة، مستخدماً السلاح والإعلام والاقتصاد، بأنه كان متسرعاً في أحكامه المسبقة وهجماته غير المنصفة. واكتشف أن من ظنه وحشاً كاسراً، لم يكن سوى "حملاً وديعاً". لذلك، قرر أن يكفر عن أخطاء الماضي بمحاولة تمكينه ودعمه لتولي مناصب السلطة التي كان يرفضها بشدة في الماضي.
لعل من الإيجابيات التي نشهدها اليوم، والتي قد تبدو متناقضة، أنها ستدفعنا لمراجعة قناعاتنا في الخطاب الموجه إلينا، وطرح أسئلة جوهرية حوله: هل غيرت جماعات المقاومة مبادئها؟ أم أنها تهذبت وأصبحت جديرة بالثقة لتولي زمام الأمور؟ هل تغيرت مواقفها من الغرب فقط؟ أم أن الغرب هو الذي تغير وبدل مواقفه؟ أم أن هناك صفقات أبرمت بعيداً عن الأضواء؟
لا أتصور أن أحداً يمتلك إجابات قاطعة، إلا إسرائيل التي لا تزال تعتبر هذه الجماعات خطراً داهماً. لذلك، تواصل تدمير كل ما يمكن أن يشكل تهديداً لها من هذه الجماعات، التي تشبه طائر الفينيق الذي ينهض من الرماد بعد أن يحكم عليه بالفناء. ولتبديد مخاوفها، بدأت إسرائيل في نزع كل ما يمكن أن يشكل تهديداً لحدودها ووجودها.
وبما أننا نتكهن فقط، ولا نملك معلومات كافية ومؤكدة، فإن المعطيات تشير إلى أن الديمقراطيين في البيت الأبيض لا يزال لديهم جزء من خارطة طريق للربيع العربي، ومن باب إرضاء رغباتهم، وجهوا الضربة الأخيرة للربيع، قبل أن يسلموا القرار والمسار للجمهوريين.
وحتى لا نكون ظالمين لهذه الجماعات التي ترى نفسها مؤهلة لإدارة دولة ذات ظروف معقدة للغاية، فهي تخاطر دون أن تقرأ تاريخ المواقف منها. ولا أستبعد أن تتعرض لما لم يكن في حسبانها على يد القوى العظمى، وما يدريها أن الغرب يفكر في استدراج كافة جماعات الإسلام السياسي إلى ساحة واحدة، للقضاء عليها مرة واحدة؟
إذا كان التفكير في شرق أوسط جديد أمراً جدياً، فمن الطبيعي أن يسبق ذلك توفير المبررات المناسبة، ومنها خلق نسخ وأفكار متعددة تحمل نفس مواصفات الأسلمة المهذبة، وتمكينها في بعض البلدان، لتكون ذات الجماعات التي تسببت في تدمير العراق وأفغانستان ولبنان واليمن، هي نفسها التي ستتسبب في نكسات متجددة، لأن منطقتنا كانت ولا تزال حقل تجارب للسياسات الدولية منذ القرن الماضي.
ومما وقع فيه أحمد الشرع، بسبب قلة فهمه السياسي، أنه ذهب يعقد مقارنات بين مشروعه في التعامل مع ما يراه "منكرات"، وبين دول تخلت عن تشددها تجاه منع بعض الأنشطة والممارسات. وعندما ذكر دولة بعينها، تأكدت أنه ليس سياسياً لا بالإرادة ولا بالإدارة.
لا نعرف إن كان الغرب سيعيد العالم العربي والإسلامي إلى نقطة البداية، ويعيد السيناريو الذي عشناه ومررنا به في السبعينات والثمانينات، من خلال أسلمة شخصيات، ثم تلميعها، ثم استغلالها، واستدراجها للتخلص منها.
لا يجدر بنا التعجل في إطلاق الأحكام، ولكن لا بأس في التساؤل، والمبالغة في الشك هذه المرة، في أولئك الذين لا يعنيهم سوى مصالحهم، حتى لو أبادوا نصف سكان العالم. وكما قال الشاعر محمد حمزة في رائعته "جانا الهوى": "يا راميني بسحر عينيك الاتنين، ما تقلّي واخدني ورايح فين، على جرح جديـد، والا لتنهيد، والا ع الفـرح مودينـي، أنا باسأل ليه واحتار كده ليه، بكرا الأيـام هتوريني".
